ذكرت كتب التاريخ والأدب قصةً طريفة حدثت لشاعر ذهب ليمدح أحد الولاة؛ حتى يكرمه بمال وعطايا كما جرت العادة،
ذكرت كتب التاريخ والأدب قصةً طريفة حدثت لشاعر ذهب ليمدح أحد الولاة؛ حتى يكرمه بمال وعطايا كما جرت العادة، فدخل الشاعر على الوالي، وأنشده شعراً يمدحه فيه ويمجّده ..
فلمّا فرغ الشاعر، قال له الوالي: "قد أحسنت" ثم التفت على كاتبه، وقال: "أعطه عشرة آلاف درهم!"
ففرح الشاعر فرحاً شديداً، وأظهر فرحته وسروره !
فلما رأى الوالي فرحة الشاعر، قال:"إني لأرى هذا القول قد وقع منك هذا الموقع؟!" ثم التفت على كاتبه، وقال: "اجعلها عشرين ألف درهم!"
فكاد الشاعر يخرج من جلده من فرط السرور، فلما رأى الوالي فرحه قد تضاعف، قال: "وإن فرحك ليتضاعف على قدر تضاعف القول؟ أعطه يا فلان أربعين ألفا" .. فكاد الفرح يقتل الشاعر !
فدعا الشاعر للوالي وشكره ومن ثم خرج، فقال كاتب الوالي -مستنكراً عطاياه على الشاعر-: "سبحان الله! هذا كان يرضى منك بأربعين درهماً، تأمر له بأربعين ألف درهم؟!"
قال الوالي: "ويلك! وتريد أن تعطيه شيئا؟!" قال الكاتب: "ولمَ أمرت له بذلك؟" قال: "يا أحمق، إنما هذا رجل سرّنا بكلام، وسررناه بكلام .. !"
ويكمل الوالي، قائلاً: "هو حين زعم أني أحسن من القمر، وأشدّ من الأسد، وأن لساني أقطع من السيف .. هل جعل في يدي من هذا شيئاً أرجع به إلى بيتي؟ ألسنا نعلم أنه قد كذب؟ ولكنه قد سرّنا حين كذب لنا، فنحن أيضا نسرّه بالقول ونأمر له بالجوائز، وإن كان كذباً، فيكون كذب بكذب وقول بقول !!"
⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀⠀
المصدر / كتاب "البخلاء": لـ الجاحظ، ص٢٦-٢٧، طبعة دار المعارف، تحقيق "طه الحاجري".